في سنتي الأخيرة بالجامعة كانت إحدى المواد التي درستها خاصة بالأخلاقيات الطبية، طلب منا الدكتور المسؤول عن المادة تقديم عرض خاص بقضية من القضايا الجدلية في الطب، اختارت إحدى المجموعات موضوع استئصال الرحم للنساء اللاتي وُلدن بخلل عقلي (متلازمة داون مثلًا).
الموضوع شائك وطويل وله جوانب كثيرة الهدف الرئيسي الذي تمحور حوله العرض هو أن هذه الفئة من النساء وحسب الدراسات و الإحصائيات مُعرضة بشكل كبير للاستغلال والإساءة الجنسية ولايملكن القدرة على الدفاع عن النفس، وقد سُجلت حالات كثيرة لفتيات بمتلازمة داون تعرضن للاغتصاب والحمل بسببه مما خلق هذا مشكلة أخرى فوق مشكلة الأذى النفسي وهي طفل يحتاج عناية وأم غير مؤهلة للاهتمام به ورعايته.
في نهاية العرض سأل الدكتور الطالبات سؤال واحد: لو طبقنا كل ماقيل على الذكر المولود باختلال عقلي، هل تجدن أنه يجب أيضًا جعله عقيم لأنه في حالته قد يكون هو نفسه يشكل خطرًا على من حوله ؟
ذُهلت جدًا من الإجابة التي اتفقت عليها الطالبات!
الإجابة كانت وأنا اقتبس: 'هو رجل في الأخير أكيد يستطيع السيطرة على نفسه'
يعود الدكتور للتذكير أننا نتحدث عن المصابين بخلل عقلي فقط لتعود الطالبة وتردد: 'حتى لو دكتور تراه رجال'.
كمية الخيبة التي أحسست بها تلك اللحظة كانت مهولة، كل مافكرت به ذلك اليوم هو كيف عاشت هذه الفتيات؟ كيف كان شكل التربية التي تلقينها لتصبح مثل هذه الأفكار من المسلَّمات بالنسبة لهن!
وأنا لا أتحدث عن فتيات في عمر المدرسة لأعذر لهن تجربتهن القصيرة في الحياة بل أغلب الطالبات كُنَّ من الخريجات وبتخصص طبي ومع ذلك لازالت فكرة الرجل الكائن الخارق الذي لاتنطبق عليه قوانين الطبيعة راسخة بل ومُتمكِنة جدًا في عقولهن!
آنا غير آسفة اذا كان القارئ الآن يعتقد أنني أبالغ بردة فعلي ولكنني قضيت بقية اليوم وأنا أتخيل سيناريوهات محتملة لحياة تلك الفتيات، لا أستبعد أن تتزوج احداهن وتوافق على ترك الدراسة أو العمل فقط لأن زوجها طلب منها ذلك، فهي مؤمنة أن كل مايقوله حق مطلق!
لا أستبعد أن تتعرض إحداهن للتعنيف من قبل رجل ولكنها لن تنطق وتستنكر هذا الفعل لأنه رجل يعلم مايفعل وهي المخطئة بالتأكيد.
أسايَ الشديد كان من نصيب الأبناء التي ستقوم هذه الفتيات بتربيتهم، المزيد من الرجال الذين يعتقدون أنهم يملكون العالم بنساءه والمزيد من النساء اللاتي يقدسن الطغاة.
أؤمن بشدة أن الجهل بعد عمر معين في هذا الزمن اختياري. رجائي الدائم أن تدرك فتيات هذا الجيل أن العالم ما عاد يستحمل وجود المزيد من الإمَّع، يكفي أن يمتلك أحدنا هاتفًا في يده ليتأكد أن الحياة جديرة بالاحتفاء خارج أسوارهم الضيقة.