السبت، 3 ديسمبر 2016

ميلاد جديد



الحقيقة أني لا أعرف، أخاف من تقدم العمر أو لأ ؟
معظم الوقت أرى أنني بتقدم عمري تخلصت من سذاجتي المستفحلة قبل سنوات، علاقاتي الآن أكثر نضجًا مما كانت عليه سابقًا وهو أمر مريح جدًا، وعلى عكس أغلب الإناث فأنا أرى أن ملامح وجهي تصبح أجمل كل ما كبرت !

لكن في نفس الوقت أشتاق لسذاجتي ونظرتي الوردية لكل شيء. أشتاق لحماسي لكثير من الأشياء التي كانت تبعث فيّ الحياة وما عادت تفعل، وهنا أخاف أن بتقدمي بالعمر سيزيد عدد الأشياء التي لن تعود كما كانت بالنسبة لي! 

الحياة صعبة التفسير ياخي وهذا متعب، أريد أن أفسر مايحدث ولمَ يحدث وماذا فعلت أنا لكي يحدث لكن كل هذا يدخلني في دوامة لا أقوى على الصداع الذي تسببه. 

هذه الكلمات كتبتها ردًا على سؤال صديقة في ٢٠١٥ كيفك مع الميلاد الجديد؟ 
حفظتها في ملاحظات الهاتف وعندما مررت بها صدفة بعد حوالي خمسة أشهر أضفتُ عليها هذه الأسطر:

بعد خمسة أشهر من كتابة هذه الكلمات، أعتقد أنني تدريجيا بدأت أفقد الرغبة الملحّة دومًا في التفسير؛ ماذا يحدث ولم يحدث لي بالذات. أنا موجودة، الحياة مستمرة وأُحب طريقة سيرها وما آلت إليه الأحداث التي أزعجتني سابقًا.

أما الآن وبعد مرور سنة كاملة على كتابتها لا أستطيع إخفاء إعجابي بقدرة الإنسان المستمرة على استحداث أسبابٍ جديدة للحياة!
إنها روعة الحياة ولعنتها في آنٍ واحد؛ أنك تعيش في اللحظة الراهنة ولاخيار لديك غير ذلك. على الأغلب أنك ستخرج لتلتقِ بصديق بعد سويعاتٍ قليلة من قرائتك لكلماتي هذه، ستحملين طفلتك وهي تمدّ يديها الطريتين نحوكِ وأنتِ تتساءلين كيف يتحول حضنك فجأة لحدائق غنّاء في كل مرة تحضنيها، ستقرأ كتاب جديد ستتمنى أن تُنهي الجامعة، ستطمح لعمل تحصل فيه على تقديرٍ أكبر وستنتظرين اللحظة التي تستطيعين فيها السفر حول العالم كل هذا وأنت بالأمس فقط ظننت أنها نقطة النهاية وأنك لاتصلح لأي جديد تحمله هذه الحياة لك ولكنك مع ذلك موجود ولازلتَ تفكر بالقادم.

أصبح عمري ٢٥ عامًا وعلى عكس ماكتبت في سنتي الفائتة فأنا الآن لا أخاف من تقدم العمر بل أصبحت واعية ومدركة بأني أحب الحياة فعلًا! تلك اللحظات الصغيرة التي نظن فيها بأننا عبثيون في هذه الحياة تقابلها ساعات طويلة من العمل والسعي المستمر لأحلامنا للتقرب من أحبابنا، للإحساس بشعور جديد مهما كان بسيطًا.

السنة الفائتة حملت الكثير من الأحداث الكبيرة والفاصلة في حياتي، تخرجت من الجامعة، قمت بتقديم أول مقابلة عمل في حياتي المهنيّة وقُبلت من بين الكثير! وصلتني الكثير من التهاني من الأصدقاء والمؤسسة نفسها من نوع 'لا يقبل الكثير في أول وظيفة يتقدمون لها ولكنكِ فعلتِ' وهو ما زادني فخرًا بتجربتي الجامعية التي خرجت منها بسيرة ذاتية غنيّة بسببها كان أول ماقيل لي في المقابلة وقبل أن أجلس على الكرسي حتى: "من بين كل المتقدمين لهذه الوظيفة أنتِ أكثر من كنا ننتظر لقاءه" 
تلك الجملة جاءت كالماء البارد على كل لحظات الشك والندم التي تأتي مابعد التخرج، لا أعرف كيف أصف ذلك لكن يميل الإنسان بعد كل مرحلة للنظر إليها بطريقة ملائكية يقرر فيها كيف كان يجب أن يحدث ماسبق وحدث وكيف أنه كان غبيًا في ٩٩٪‏ من القرارات التي اتخذها في تلك الفترة. 
من الأحداث الفارقة أيضًا في سنتي الفائتة أنني تزوجت عمر الصديق الأقرب، أنظر لعينيه وأنا مطمئنة ومتأكدة أن أبنائي سيجدون فيه صفات الصديق الأقرب قبل الأب؛ كما وجدت أمهم من قبل.


كنت خائفة جدًا من أن أصل لعمر ال٢٥ وأنا لازلت عالة على من حولي -من ناحية مادية والسيارة طبعًا!- لكني قطعت شوطًا كبيرًا في تعليم السياقة في مدة قصيرة ولم يتبقَ إلا القليل بإذن الله. سعيدة بذلك جدًا جدًا :'').

هذه السنة ولأول مرة سأكتب أهداف السنة الجديدة، لم أكن أؤمن بجدوى هذا الفعل طوال السنوات السابقة لكنني قررت تجربة ذلك هذه السنة، تمنوا لي التوفيق!

أصلي أن يلهمكم الله الأسباب التي تجعلكم تستعيدون بها حيويتكم في كل مرة تحاول الحياة بها تصغيير وجودكم فيها وإغرائكم لممارسة لعبة الإشفاق على النفس وجلدها!


زينب وهي خمسة وعشرينية جادة ؛).

الأربعاء، 9 نوفمبر 2016

" تراه رجال "

في سنتي الأخيرة بالجامعة كانت إحدى المواد التي درستها خاصة بالأخلاقيات الطبية، طلب منا الدكتور المسؤول عن المادة تقديم عرض خاص بقضية من القضايا الجدلية في الطب، اختارت إحدى المجموعات موضوع استئصال الرحم للنساء اللاتي وُلدن بخلل عقلي (متلازمة داون مثلًا).
الموضوع شائك وطويل وله جوانب كثيرة الهدف الرئيسي الذي تمحور حوله العرض هو أن هذه الفئة من النساء وحسب الدراسات و الإحصائيات مُعرضة بشكل كبير للاستغلال والإساءة الجنسية ولايملكن القدرة على الدفاع عن النفس، وقد سُجلت حالات كثيرة لفتيات بمتلازمة داون تعرضن للاغتصاب والحمل بسببه مما خلق هذا مشكلة أخرى فوق مشكلة الأذى النفسي وهي طفل يحتاج عناية وأم غير مؤهلة للاهتمام به ورعايته.

في نهاية العرض سأل الدكتور الطالبات سؤال واحد: لو طبقنا كل ماقيل على الذكر المولود باختلال عقلي، هل تجدن أنه يجب أيضًا جعله عقيم لأنه في حالته قد يكون هو نفسه يشكل خطرًا على من حوله ؟

ذُهلت جدًا من الإجابة التي اتفقت عليها الطالبات!
الإجابة كانت وأنا اقتبس: 'هو رجل في الأخير أكيد يستطيع السيطرة على نفسه' 
يعود الدكتور للتذكير أننا نتحدث عن المصابين بخلل عقلي فقط لتعود الطالبة وتردد: 'حتى لو دكتور تراه رجال'.

كمية الخيبة التي أحسست بها تلك اللحظة كانت مهولة، كل مافكرت به ذلك اليوم هو كيف عاشت هذه الفتيات؟ كيف كان شكل التربية التي تلقينها لتصبح مثل هذه الأفكار من المسلَّمات بالنسبة لهن! 

وأنا لا أتحدث عن فتيات في عمر المدرسة لأعذر لهن تجربتهن القصيرة في الحياة بل أغلب الطالبات كُنَّ من الخريجات وبتخصص طبي ومع ذلك لازالت فكرة الرجل الكائن الخارق الذي لاتنطبق عليه قوانين الطبيعة راسخة بل ومُتمكِنة جدًا في عقولهن!

آنا غير آسفة اذا كان القارئ الآن يعتقد أنني أبالغ بردة فعلي ولكنني قضيت بقية اليوم وأنا أتخيل سيناريوهات محتملة لحياة تلك الفتيات، لا أستبعد أن تتزوج احداهن وتوافق على ترك الدراسة أو العمل فقط لأن زوجها طلب منها ذلك، فهي مؤمنة أن كل مايقوله حق مطلق! 
لا أستبعد أن تتعرض إحداهن للتعنيف من قبل رجل ولكنها لن تنطق وتستنكر هذا الفعل لأنه رجل يعلم مايفعل وهي المخطئة بالتأكيد.
أسايَ الشديد كان من نصيب الأبناء التي ستقوم هذه الفتيات بتربيتهم، المزيد من الرجال الذين يعتقدون أنهم يملكون العالم  بنساءه والمزيد من النساء اللاتي يقدسن الطغاة. 

أؤمن بشدة أن الجهل بعد عمر معين في هذا الزمن اختياري. رجائي الدائم أن تدرك فتيات هذا الجيل أن العالم ما عاد يستحمل وجود المزيد من الإمَّع، يكفي أن يمتلك أحدنا هاتفًا في يده ليتأكد أن الحياة جديرة بالاحتفاء خارج أسوارهم الضيقة. 

السبت، 5 نوفمبر 2016

تأملات في الوثائقي Maidentrip


تابعت فيلم وثائقي لفتاة نيوزيلاندية في الرابعة عشر من عمرها قررت أنها تريد أن تبحر حول العالم لمدة سنتين لوحدها، وفعلتها! 
بعد قراءة توصيف الفيلم كان أول مافكرت به هو سؤالي: ألم يكن حولها من له السلطة على منعها؟ نظرًا لأنها قاصرة وقرارها قد يكون متهورًا أو أنها لاتدرك حجم خطورته مثلًا؟

كان من المحبط فعلًا أن يكون أول مافكرت به هو هكذا سؤال، لكن هذا متوقع جدًا بالنسبة لفتاة عاشت حياتها في جزء من العالم يطلب فيه كل من حولك موافقتهم في كل ماتقوم به، أقربهم إلى أبعدهم. 

الدقائق الأولى من الفيلم أجابت على سؤالي، لأن لاورا ديكر قضت ١٠ أشهر بين جلسات المحاكم التي كانت ستفصلها عن والدها حتى بسبب هذا الموضوع إلا أنها حصلت أخيرًا على أمر المحكمة الذي يقضي بأنها حرة بقرارها ولن تتدخل الحكومة بينها وبين والدها الذي وجدوه سابقًا مهملًا لابنته وغير مؤهل لرعايتها فقط لأنه سمح لها بترك مدرستها لتحقق حلمها بالإبحار حول العالم في سنتين.

لاورا وُلدت فعلًا لتقوم بهذه الرحلة؛ فهي ولدت على متن قارب عندما كان أبواها يقومان بجولتهما بالإبحار حول العالم، كما أنها قضت أول خمس سنوات لها وهي تبحر حول نيوزيلندا مع والديها. في عمر العاشرة فقط لاورا كانت تبحر حول هولندا لوحدها وفي الثالثة عشر أبحرت إلى انجلترا وعادت لهولندا لوحدها أيضًا. بعد تلك الرحلة كان جليًا لها ولوالدها أنها أصبحت قادرة على تحقيق حلمها بالإبحار حول العالم.

فوضى الأفكار تسابقت لتملأ ذهني وأنا أشاهد مغامرة فتاة اختارت ماتريد من الحياة ولم تتردد أبدًا في جعله يصبح حقيقه رغم صغر سنها ورغم كل من تحدثوا أنها فتاة مجنونة، متهورة، وغريبة الأطوار. 
فكرت بمعادلة توزيع الفرص في هذه الحياة وكيف أن أحدهم يولد لتكون الطرق كلها مفتوحة أمامه حتى أنه لايحتاج لقرع بابها وآخر عليه أن يقتلع مئة باب قبل أن يصل لأبسط فرصة تمنحه الإحساس بالحياة. 

بالمناسبة لاورا من عائلة فقيرة جدًا والقارب الذي أبحرت به كانت قد عملت في عدة وظائف لكي تستطيع تحمل كلفته، كما أنها ابتاعته وهو خرِب تمامًا وقد قضت شهرًا كاملًا هي ووالدها في اصلاحه وتجهيزه لهذه الرحلة. 

فتاة في الرابعة عشر تقوم بإصلاح كل قطعة في المركب الذي قررت أنه سيكون رفيق رحلتها الوحيد، فكرت كيف أننا بعيدون جدًا عن هذا العالم، كم كانت تجاربنا فيه ضيقة ومحدودة إن وُجدت أصلًا، علوم الإبحار ليست مادة في مناهج المدارس كما تعلمون ولكن لاورا كانت تستطيع قراءة الخرائط وتحديد خط السير وحساب عقد الريح التي ستزيد أو تقلل من سرعة إبحارها، أذهلتني عندما أخرجت خرائط ورقية وقالت بكل ثقة: " في حالة حدوث أي عطل للجهاز الذي يقوم بكل الحسابات التي احتاجها للإبحار أستطيع أن استغني عنه وأعتمد على خبرتي وحساباتي الخاصة" بحق الله وبحق كل مخلوقاته أنتِ في الرابعة عشر!! 

تصوير فيلم الرحلة كاملًا كان من عمل لاورا نفسها وقد تمت إضافة جرافيكس بتفاصيل لطيفة تشرح مسار الرحلة وبعض تفاصيلها، استغرقت لاورا سنتين للإبحار حول العالم لأنها لم تطمح للإبحار لمجرد تحقيق لقب أصغر فتاة تبحر حول العالم وإنما أرادت أن تستكشف العالم بطريقتها، أحببت أن هدفها كان واضحًا بالنسبة لها كانت واعية جدًا لما تريد ولم تسمح لأحد أن يستغل شغفها هذا ويشوّهه.

اللحظة الفاصلة بالنسبة لي في رحلة لاورا كانت القرار الذي اتخذته بعدما أصبحت قريبة من خط النهاية (هولندا) حيث قررت أن هذه البلاد التي عاشت فيها لسنوات لاتعني لها شيئًا وهي في السادسة عشر الآن ولا تود العودة للعيش فيها وأنها تحس بالرغبة للعودة للعيش في نيوزيلندا وهذا مافعلته! 
لم تتوقف في هولندا حتى بل أكملت إبحارها لنيوزيلندا وهي تقول: "سأعمل في أي شيء هناك حتى استطيع إكمال حياتي فيما أحب؛ الإبحار بالتأكيد" 

بالنسبة لي وجدت أن هذا الفلم لم يوثّق رحلة لاورا في الإبحار حول العالم فقط بل ورحلة النضج الخاصة بها أيضًا؛ انتقالها من مراهقة  إلى امرأة يافعة واثقة من نفسها. علّمتني لاورا فتاة الرابعة عشر ربيعًا وأنا التي تخرجت من الجامعة الأسبوع الفائت وعلى أعتاب عمر الخامسة والعشرون نهاية هذا الشهر أن لا عمر ولاشهادة ستحدد ما أستطيع تحقيقه وإنما رغبتي الصادقة وشجاعتي في انتزاع كل ما أعتقد أني أستحقه من أيدِ من يعتقدون أنهم يستطيعون أن يمنعوني.

أتمنى فعلًا أن يصل عالمنا وخصوصًا العربي إلى الوقت الذي لايحدد فيه عمر أو جنس الفرد مايستطيع أن يفعله لأن حياة هذه الفتاة دليل قاطع أن أحدًا منا إذا تربّى على أنه قادر على فعل مايريد وأُعطي الثقة والإيمان بنفسه منذ صغره فلا قوة في الطبيعة قادرة على منعه. 

- مشاهدة تشويقة الوثائقي.